الحسنات
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناء الحسنْ صلواتُ الله البّرِ المَلِكِ الرّحيمِ والملائكة المقربينَ على سيدنا محمّدٍ أشرفِ المرسلين وعلى إخوانهِ الأنبياءِ والمرسلينَ وسلامُ اللهِ عليهمْ أجمعينَ.
أما بعدُ، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلمَ: "إذا عملتَ سيئةً فأتبعها بالحسنةِ"
قالوا يا رسول الله أمِنَ الحسناتِ يا رسول الله "لا إلهَ إلاَّ الله" قالَ: "هي أحسنُ الحسناتِ".
عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ". بهذه الرواية رواه الإمام أحمد في مسنده.
معنى الحديث: أنهُ إذا عملَ العبدُ سيئةً صغيرةً أو كبيرةً يُتبعُها بالحسنةِ والحسنةُ أنواعٌ كثيرةٌ منها ما هو من الفرائضِ ومنها ما هو من النوافل. فأيُّ حسنةٍ من الحسناتِ من عملها على سبيلِ السنُّةِ أي على ما يوافق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليهِ وسلمَ فإنّها تكفرُ من السيَّئاتِ ما شاءَ الله وفي هذا الحديث أن "لا إلهَ إلاَّ الله" هي أفضلُ الحسنات وذلكَ لأنها كلمةُ التوحيد بها يدخلُ الكافر في الإسلام ولا يدخلُ بالتسبيح ولا بالتكبير ولا بالتحميدِ ولا بغيرِ ذلكَ من أنواعِ التقديسِ للهِ تعالى فلذلكَ كانت هي أحسن الحسنات فينبغي الإكثارُ منها أكثرَ من غيرها من أنواعِ الذكرِ.
وفي صحيح مسلمٍ وفي كتاب الدعاءِ للبيهقي رحمهما الله تعالى أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ".
في هذا الحديث جمع رسول الله صلى الله عليهِ وسلّمَ الأربعةَ في سياقٍ واحدٍ
لكنَّهُ لم يُقدَّمْ ذكرَ "لا إلهَ إلاَّ الله" بل قدَّمَ ذِكرَ "سبحان الله" وليس ذلكَ للدلالةِ على أن سبحان الله أفضلَ ممَّا بعدها أما أن تكونَ أفضلَ من الحمدُ للهِ فذلكَ قريبٌ محتملٌ وكذلكَ محتملٌ أن تكونَ من حيثُ الثواب في بعض الحالات أفضل من الله أكبر.
الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُردْ بهذا السياقِ الذي وردَ في الحديث الترتيب على حسبِ الفضلِ إنَّمَا مرادهُ أن هذه الأربعِ هي أفضلُ الكلماتِ أي أنها أفضلُ من غيرها من أنواعِ الذّكرِ و التمجيدِ للهِ تعالى هذا المراد.
وقد ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله رواية: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْبَعٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيّهِنَّ بَدَأْتَ".
أما التفاضل فيما بينها فَيُعرفْ من دليل آخر كهذا الحديث الذي فيهِ أن "لا إلهَ إلاَّ الله" أحسنُ الحسناتِ فقولُ الرسول إنها أحسنُ الحسناتِ أفهمنا أنَّها أفضلُ من جميع أنواعِ الذكرِ.
ثمَّ إنَّ هذهِ الكلماتِ الأربعِ منها ما هو فرضٌ في بعضِ العباداتِ "الله أكبرُ" فرضٌ في تحريمةِ الصلاةِ لأنَّ إفتتاح الصلاةِ هو التكبير فنظراً لهذه الحيثيةِ التكبير له فضلٌ خاصٌ حيثُ إنّهُ جُعِلَ مفتاحاً للصلاةِ التي هي من أفضلِ الأعمالِ.
ثم إنَّهُ وردَ في فضلِ "لا إلهَ إلاَّ الله" حديثٌ صحيحٌ غيرُ هذا وهو ما رواه مالكٌ في الموطأ وغيره أنَّ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم قال: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". وفي لفظٍ: "وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". رواه الترمذي.
ففي هذا الحديث الصحيح الثابتِ الذي رواه الإمام مالكٍ رضي الله عنه وغيره من أئمةِ الحديثِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ الله" أفضلُ ما يقال أي أفضل ما يمتدحُ بهِ الربُّ أفضلُ ما يمجدُ به الرَّبُّ تباركَ وتعالى.
وورد حديث آخر رواه الترمذي وإبن ماجه: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذّكْر لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ".
الرسولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا عملتَ سيئةً فأتبعها بالحسنَّةِ" قلتُ: "أمنَ الحسناتِ يا رسولَ الله لا إلهَ إلاَّ الله؟ قَالَ: "هِيَ أحسنُ الْحَسَنَاتِ". فقولهُ هي أي "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ". (أحسنُ الحسناتِ) أي أفضلُها أي لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ أفضلُ ما يتقربُ بهِ إلى الله مع خفَّتها على اللسانِ وعدمِ المشقَّةِ في النّطقِ بها.
ليسَ هناكَ في الشرعِ قاعدةٌ كلّيةٌ أن ما كان من الأعمالِ أشقَّ وأكبرَ كُلفةً أفضلُ من غيرهِ بل من الأعمال ما هو أخفُّ وهو أفضلُ من غيرهِ من سائرِ الأعمالِ الصالحةِ كهذه الكلمةِ الشريفةِ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" هي خفيفةٌ على اللسانِ لكنَّ اللهَ تعالى جعلها أفضل الحسناتِ.
فمهما عَمِلَ الإنسانُ من الأعمالِ الحسنةِ فأنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" مقدمةٌ في الفضلِ عند اللهِ
وذلكَ أنَّها البابُ إلى الإسلامِ، الكافرُ إذا أرادَ الدخولَ في الإسلامِ لاَ يدخلُ إلى الإسلامِ إلاَّ بها أو بما يُعطي معناها.
قالَ الفقهاءُ: "إذا قالَ الكافرُ الذي يريدُ الدخولَ في الإسلامِ: "لاَ خَالقَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ الله" صحَّ إسلامُهُ أيّ ثبتَ له الإسلامُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ". قالوا صحَّ إسلامُهُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ الرحمن" أو "لاَ إلهَ إلاَّ الرحمن" لأنَّ هؤلاءِ الكلماتِ كلٌّ بمعنى "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لكنَّ أفضلَ ذلكَ كلهُ هذه الصيغةُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ".
ثُمَّ من أرادَ الدخولَ في الإسلامِ فلو نطَقَ بترجمتها بلغتهِ التي يعرفها صحَّ إسلامُهُ وليسَ شرطاً للدخولِ في الإسلامِ أن ينطِقَ بعينِ اللفظِ العربي بلْ لو نطقَ بترجمتها دخلَ في الإسلامِ.
أمَّا إضافةُ "أشْهدُ" إلى هذه الكلمة مقرونةً "بأنْ" أي قولُ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ". قال الفقهاءُ فهو أَوكدُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ.
القولُ الصحيحُ أنَّهُ إذا قالَ: "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ".
صحَّ إسلامهُ وإن كان الأفضلُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ أن يقولَ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لأنَّ "أشهدُ" تعطي معنىً يؤكدُ مضمونَ هذه الشهادة ولأنَّ "أشهدُ" تدلُ على أنَّ هذا المتلفظ بها يعترف عن إيقانٍ وإعتقادٍ وعلمٍ ليستْ بمثابة أعلمْ فلو قالَ: "أعلمُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" ليستْ بمرتبةِ أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ فيها زيادةُ تأكيدٍ لإثباتِ الألوهية لله تعالى لدلالتها على الإعترافِ والإعتقادِ والإيقانِ فمعنى "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أنا موقنٌ ومعتقدٌ وجازمٌ بلا تردُّدٍ ولاَ شك وأنا عالمٌ بأنهُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أي لاَ معبودَ بحقٍ إلاَّ الله أي لاَ يستحق أحدٌ أنْ يتذللَّ لهُ نهايةَ التذلل إلاَّ اللهُ أي أن الله تعالى هو المنفرد بإستحقاقِ نهاية التذلل أي أنهُ هو الذي يجوزُ أن يتذلل له نهاية التذلل ومن سوى الله من الملآئكة وأنبياء وغيرهم مما خلقَ الله تعالى لا يستحقُّ هذه العبادة التي هي نهاية التذلل.
ثم كلمة "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" فيها دلالةٌ على جميعِ ما يجبُ للهِ تعالى أن يتصفْ به من صفات الكمالٍ التي هي لا تثبتُ الأُلوهيةُ إلاَّ بها لا تثبتُ الأُلوهيةُ بدونها من ذلكَ "الحياةُ" تدلُ على أن الله حيٌّ تدلُ على أن هذا الذي يستحق نهاية التذلل حيٌّ ليسَ ميتّاً وتدل على العلم أي تدلُ على أن هذا الإله الذي هو منفردٌ بإستحقاقِ نهاية التذلل عالمٌ بكلّ شئْ
وتدلُ على أن أنَّهُ متصفٌ بالقدرةِ أي الإقتدارِ على إختراع ما أرادَ دخولهُ في الوجودِ وهذا اللفظَ متضمنٌ أيضاً للإرادةِ أيّ أنَّ الله تعالى يخصص ما شاءَ بالدخولِ في الوجودِ فيدخلهُ في الوجودِ ويخصصُ ما شاءَ بصفةٍ دونَ صفةٍ أي بدلَ صفةٍ هي تقابلها فبالمشيئةِ خصّصَّ اللهُ تعالى الحادثاتِ بما فيها من صفاتٍ مختلفةٍ هو خصصَ الإنسانَ بصفاتِ خاصةٍ بهِ بدلَ أن يجعلهُ كغيرهِ من مخلوقاتهِ وخصصَ غيرَ الإنسانِ أيضا بصفات شاءَ أن تختَصَّ بهِ.
وسبحان الله والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.
مواضيع ذات صلة
عذرأ لا يوجد موضوع مشابه
الحمدُ للهِ ربّ العالمينَ لهُ النعمةُ ولهُ الفضلُ ولهُ الثناء الحسنْ صلواتُ الله البّرِ المَلِكِ الرّحيمِ والملائكة المقربينَ على سيدنا محمّدٍ أشرفِ المرسلين وعلى إخوانهِ الأنبياءِ والمرسلينَ وسلامُ اللهِ عليهمْ أجمعينَ.
أما بعدُ، فقد قال رسولُ الله صلى الله عليهِ وسلمَ: "إذا عملتَ سيئةً فأتبعها بالحسنةِ"
قالوا يا رسول الله أمِنَ الحسناتِ يا رسول الله "لا إلهَ إلاَّ الله" قالَ: "هي أحسنُ الحسناتِ".
عَنْ أَبِي ذَرّ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوْصِنِي قَالَ: "إِذَا عَمِلْتَ سَيّئَةً فَأَتْبِعْهَا حَسَنَةً تَمْحُهَا قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمِنَ الْحَسَنَاتِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؟ قَالَ: هِيَ أَفْضَلُ الْحَسَنَاتِ". بهذه الرواية رواه الإمام أحمد في مسنده.
معنى الحديث: أنهُ إذا عملَ العبدُ سيئةً صغيرةً أو كبيرةً يُتبعُها بالحسنةِ والحسنةُ أنواعٌ كثيرةٌ منها ما هو من الفرائضِ ومنها ما هو من النوافل. فأيُّ حسنةٍ من الحسناتِ من عملها على سبيلِ السنُّةِ أي على ما يوافق ما جاء عن رسول الله صلى الله عليهِ وسلمَ فإنّها تكفرُ من السيَّئاتِ ما شاءَ الله وفي هذا الحديث أن "لا إلهَ إلاَّ الله" هي أفضلُ الحسنات وذلكَ لأنها كلمةُ التوحيد بها يدخلُ الكافر في الإسلام ولا يدخلُ بالتسبيح ولا بالتكبير ولا بالتحميدِ ولا بغيرِ ذلكَ من أنواعِ التقديسِ للهِ تعالى فلذلكَ كانت هي أحسن الحسنات فينبغي الإكثارُ منها أكثرَ من غيرها من أنواعِ الذكرِ.
وفي صحيح مسلمٍ وفي كتاب الدعاءِ للبيهقي رحمهما الله تعالى أنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَرْبَعٌ: سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ".
في هذا الحديث جمع رسول الله صلى الله عليهِ وسلّمَ الأربعةَ في سياقٍ واحدٍ
لكنَّهُ لم يُقدَّمْ ذكرَ "لا إلهَ إلاَّ الله" بل قدَّمَ ذِكرَ "سبحان الله" وليس ذلكَ للدلالةِ على أن سبحان الله أفضلَ ممَّا بعدها أما أن تكونَ أفضلَ من الحمدُ للهِ فذلكَ قريبٌ محتملٌ وكذلكَ محتملٌ أن تكونَ من حيثُ الثواب في بعض الحالات أفضل من الله أكبر.
الرسول صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يُردْ بهذا السياقِ الذي وردَ في الحديث الترتيب على حسبِ الفضلِ إنَّمَا مرادهُ أن هذه الأربعِ هي أفضلُ الكلماتِ أي أنها أفضلُ من غيرها من أنواعِ الذّكرِ و التمجيدِ للهِ تعالى هذا المراد.
وقد ورد في مسند الإمام أحمد رحمه الله رواية: عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَحَبُّ الْكَلَامِ إِلَى اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى أَرْبَعٌ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَا يَضُرُّكَ بِأَيّهِنَّ بَدَأْتَ".
أما التفاضل فيما بينها فَيُعرفْ من دليل آخر كهذا الحديث الذي فيهِ أن "لا إلهَ إلاَّ الله" أحسنُ الحسناتِ فقولُ الرسول إنها أحسنُ الحسناتِ أفهمنا أنَّها أفضلُ من جميع أنواعِ الذكرِ.
ثمَّ إنَّ هذهِ الكلماتِ الأربعِ منها ما هو فرضٌ في بعضِ العباداتِ "الله أكبرُ" فرضٌ في تحريمةِ الصلاةِ لأنَّ إفتتاح الصلاةِ هو التكبير فنظراً لهذه الحيثيةِ التكبير له فضلٌ خاصٌ حيثُ إنّهُ جُعِلَ مفتاحاً للصلاةِ التي هي من أفضلِ الأعمالِ.
ثم إنَّهُ وردَ في فضلِ "لا إلهَ إلاَّ الله" حديثٌ صحيحٌ غيرُ هذا وهو ما رواه مالكٌ في الموطأ وغيره أنَّ رسول الله صلى الله عليهِ وسلم قال: "أَفْضَلُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ". وفي لفظٍ: "وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ". رواه الترمذي.
ففي هذا الحديث الصحيح الثابتِ الذي رواه الإمام مالكٍ رضي الله عنه وغيره من أئمةِ الحديثِ دليلٌ واضحٌ على أنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ الله" أفضلُ ما يقال أي أفضل ما يمتدحُ بهِ الربُّ أفضلُ ما يمجدُ به الرَّبُّ تباركَ وتعالى.
وورد حديث آخر رواه الترمذي وإبن ماجه: عن جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "أَفْضَلُ الذّكْر لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَفْضَلُ الدُّعَاءِ الْحَمْدُ لِلَّهِ".
الرسولُ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: "إذا عملتَ سيئةً فأتبعها بالحسنَّةِ" قلتُ: "أمنَ الحسناتِ يا رسولَ الله لا إلهَ إلاَّ الله؟ قَالَ: "هِيَ أحسنُ الْحَسَنَاتِ". فقولهُ هي أي "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ". (أحسنُ الحسناتِ) أي أفضلُها أي لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ أفضلُ ما يتقربُ بهِ إلى الله مع خفَّتها على اللسانِ وعدمِ المشقَّةِ في النّطقِ بها.
ليسَ هناكَ في الشرعِ قاعدةٌ كلّيةٌ أن ما كان من الأعمالِ أشقَّ وأكبرَ كُلفةً أفضلُ من غيرهِ بل من الأعمال ما هو أخفُّ وهو أفضلُ من غيرهِ من سائرِ الأعمالِ الصالحةِ كهذه الكلمةِ الشريفةِ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" هي خفيفةٌ على اللسانِ لكنَّ اللهَ تعالى جعلها أفضل الحسناتِ.
فمهما عَمِلَ الإنسانُ من الأعمالِ الحسنةِ فأنَّ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" مقدمةٌ في الفضلِ عند اللهِ
وذلكَ أنَّها البابُ إلى الإسلامِ، الكافرُ إذا أرادَ الدخولَ في الإسلامِ لاَ يدخلُ إلى الإسلامِ إلاَّ بها أو بما يُعطي معناها.
قالَ الفقهاءُ: "إذا قالَ الكافرُ الذي يريدُ الدخولَ في الإسلامِ: "لاَ خَالقَ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ الله" صحَّ إسلامُهُ أيّ ثبتَ له الإسلامُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ اللهُ محمَّدٌ رسولُ اللهِ". قالوا صحَّ إسلامُهُ كذلكَ لو قالَ: "لاَ ربَّ إلاَّ الرحمن" أو "لاَ إلهَ إلاَّ الرحمن" لأنَّ هؤلاءِ الكلماتِ كلٌّ بمعنى "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لكنَّ أفضلَ ذلكَ كلهُ هذه الصيغةُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ".
ثُمَّ من أرادَ الدخولَ في الإسلامِ فلو نطَقَ بترجمتها بلغتهِ التي يعرفها صحَّ إسلامُهُ وليسَ شرطاً للدخولِ في الإسلامِ أن ينطِقَ بعينِ اللفظِ العربي بلْ لو نطقَ بترجمتها دخلَ في الإسلامِ.
أمَّا إضافةُ "أشْهدُ" إلى هذه الكلمة مقرونةً "بأنْ" أي قولُ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ". قال الفقهاءُ فهو أَوكدُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ.
القولُ الصحيحُ أنَّهُ إذا قالَ: "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ".
صحَّ إسلامهُ وإن كان الأفضلُ لمن يريدُ الدخولَ في الإسلامِ أن يقولَ: "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" لأنَّ "أشهدُ" تعطي معنىً يؤكدُ مضمونَ هذه الشهادة ولأنَّ "أشهدُ" تدلُ على أنَّ هذا المتلفظ بها يعترف عن إيقانٍ وإعتقادٍ وعلمٍ ليستْ بمثابة أعلمْ فلو قالَ: "أعلمُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" ليستْ بمرتبةِ أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ، أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ فيها زيادةُ تأكيدٍ لإثباتِ الألوهية لله تعالى لدلالتها على الإعترافِ والإعتقادِ والإيقانِ فمعنى "أشهدُ أنْ لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أنا موقنٌ ومعتقدٌ وجازمٌ بلا تردُّدٍ ولاَ شك وأنا عالمٌ بأنهُ "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" أي لاَ معبودَ بحقٍ إلاَّ الله أي لاَ يستحق أحدٌ أنْ يتذللَّ لهُ نهايةَ التذلل إلاَّ اللهُ أي أن الله تعالى هو المنفرد بإستحقاقِ نهاية التذلل أي أنهُ هو الذي يجوزُ أن يتذلل له نهاية التذلل ومن سوى الله من الملآئكة وأنبياء وغيرهم مما خلقَ الله تعالى لا يستحقُّ هذه العبادة التي هي نهاية التذلل.
ثم كلمة "لاَ إلهَ إلاَّ اللهُ" فيها دلالةٌ على جميعِ ما يجبُ للهِ تعالى أن يتصفْ به من صفات الكمالٍ التي هي لا تثبتُ الأُلوهيةُ إلاَّ بها لا تثبتُ الأُلوهيةُ بدونها من ذلكَ "الحياةُ" تدلُ على أن الله حيٌّ تدلُ على أن هذا الذي يستحق نهاية التذلل حيٌّ ليسَ ميتّاً وتدل على العلم أي تدلُ على أن هذا الإله الذي هو منفردٌ بإستحقاقِ نهاية التذلل عالمٌ بكلّ شئْ
وتدلُ على أن أنَّهُ متصفٌ بالقدرةِ أي الإقتدارِ على إختراع ما أرادَ دخولهُ في الوجودِ وهذا اللفظَ متضمنٌ أيضاً للإرادةِ أيّ أنَّ الله تعالى يخصص ما شاءَ بالدخولِ في الوجودِ فيدخلهُ في الوجودِ ويخصصُ ما شاءَ بصفةٍ دونَ صفةٍ أي بدلَ صفةٍ هي تقابلها فبالمشيئةِ خصّصَّ اللهُ تعالى الحادثاتِ بما فيها من صفاتٍ مختلفةٍ هو خصصَ الإنسانَ بصفاتِ خاصةٍ بهِ بدلَ أن يجعلهُ كغيرهِ من مخلوقاتهِ وخصصَ غيرَ الإنسانِ أيضا بصفات شاءَ أن تختَصَّ بهِ.
وسبحان الله والحمدُ للهِ ربّ العالمينَ.
مواضيع ذات صلة
عذرأ لا يوجد موضوع مشابه